طائرالفينيكس





العنقاء

العنقاء هي طائر خرافي أسطوري، ورد ذكرها في الروايات والأساطير الشعبيّة المتعلقة بالعديد من الدول حول العالم، وتعتبر هذه الأسطورة من أكثر الأساطير شعبيةً وروعة، فقد جابت حكايات العنقاء أرجاء البسيطة لمدى تأثيرها على النفس، حيث أنه لا وطن لها، فكل بلاد الأرض موطنها، ولكل موطن حكاياه العجيبة والفريدة التي تخدر العقول وتخطف الألباب.
العنقاء هو اسم هذه الأسطورة في بلاد العرب، وفي الغرب أطلق عليها اسم طائر الفينيكس، والطائر المقدّس عند الصينيين، ورافق اسم هذا الطائر كمٌ هائل من الحكايات والأساطير التي أذهلت العقول، وألهبت الأعماق، ووسعت الأفق والخيال، حتى انّ من رافق تلك الحكايات يرفض التصديق بأن العنقاء هي مجرّد خرافة وأسطورة، بل هي حقيقة انقرضت وتلاشت معها أساطيرها.

العنقاء بين الواقع والخيال

صورة العنقاء التي نقلتها لنا الحكايات كانت عبارة عن طائر كبير ناري غاية في الروعة والجمال، إن ظهر في الأفق حجب نور الشمس لشدة كبره، وإن لمحه أحدٌ من بعيد تخيله جبلا، وقد أسماه العرب بالعنقاء لأنّه يحيط بعنقه طوقٌ من الريش الأبيض، وباقي الجسد بلون النار المشتعلة الزاهية المائلة إلى اللونين الأحمر الملتهب، إضافةً إلى ألوان أخرى كانت تتوزّع في كافة أجزاء جسدها، كانت العنقاء تملك جناحين ضخمين يغطيهما ريش طويلٌ مهيب، وكان فكها قوي وله القدرة على حمل أوزان ثقيلة، تفوق تلك التي يقدر الإنسان على حملها.
العنقاء كانت من الطيور اللاحمة، وقد ذكرت الحكايات بأنّ العنقاء كانت تسكن بلاد العرب في زمان أحد الأنبياء، وكانت تتربص بالبشر وتخطفهم لتطعم صغارها، ضاق الناس ذرعاً بها، فشكوها إلى النبي، فقام ودعا الله بأن يخلّصهم منها ومن صغارها، فاستجاب الله له وأرسل عليها صاعقة قضت على العنقاء وصغارها.
أما في عصر الفراعنة فكانت العنقاء تعدّ من أشهر الأساطير القديمة، فقد وصفوها بأنها طائر مهيبٌ وجميل، عمرها يتجاوز الألف عام، وعندما ترغب بالولادة، تتجه إلى بلاد الشام وتبني لنفسها عشّاً هناك لتحترق فيه، وبعد احتراقها بثلاثةِ أيام تولد من قلب رمادها المحترق من جديد، فتنمو وتكبر وتحيا لألف عامٍ آخر، هذا ومن المعروف هوس المصريين القدماء بفكرة الحياة والخلود بعد الموت، حتّى أنّ كافة طقوسهم الروحيّة والدينية كانت تدور حول هذا المحور، ومن هنا كان من الطبيعي بأن يشغل طائر خالد كالعنقاء حيزاً كبيراً من تفكيرهم، ينسجون عليه حكاياتهم وأساطيرهم، وحتى أنهم آمنوا بأنّ موطن العنقاء كان جنوبي شبه الجزيرة العربيّة، فإن حان موعد ميلادها الجديد، حلّقت نحو إلههم – الشمس – إلى حيث معبد (هيليوبوليس)، وهناك تفرد جناحيها الكبيرين، وتصفّق بقوة تحت أشعّة الشمس حتى تشتعل النيران بهما وتمتد لتأكل جسد العنقاء بأكمله، فتتحول إلى رماد، وبعد عمليّة الاحتراق يبدأ ميلادها الجديد من بين الرماد.
أطلق العرب العديد من الأسماء على العنقاء كطائر (الرّخ)، ومنهم من صنفها ضمن فصيلة العقبان، ولم يكن أي العرب يؤمنون بقصة الخلود، بل كانوا يعتبرون العنقاء مجرّد طائر عادي يبيض ويتكاثر، وعلى الرغم من هذا فقد تناقلوا الحكايات التي تروي قصصاً أسطوريّة عن العنقاء.
أما في بلاد الغرب، وكما أوردت آنفاً فقد كان يطلق على العنقاء اسم طائر الـ (فينيكس)، وقد ورد ذكرها في العديد من الأساطير الغربيّة كالإغريقيّة، ووردت باسم الرّخ الذي كانت له حكاية شهيرة، فعندما تحدّى آلهة الأوليمب (بروميثيوس) الإغريق، وحاول التطاول على سلطاتهم من خلال سرقة شعلة من النار المقدسة لهداية البشر جميعاً لحقيقة النار وسرّها، فما كان من كبير الآلهة (زيوس) إلا إنزال أشد العقوبات الأسطورية به، حيث قام بتعليقه بين جبلين، وسلّط عليه طائراً كبيراً ومهيبا يطلق عليه اسم الرّخ يأتي ويقتات على كبده طيلة النهار، وعندما يحلّ الليل ينمو لبروميثيوس كبدٌ آخر، فيعود الرّخ إليه في النهار من جديد ويلتهمه، وهكذا استمرّ العقاب.
ذكرت بعض الأساطير الغربيّة بأنّ طائر الفينيكس لم يكن يغطي جسدها الريش، وإنما كانت تمتلك جسداً مشتعلاً.
أمّا في الصين التي كانت تشتهر بأساطير التنانين المقدسة التي تنفث النار من فمها، ورمزيّة تلك التنانين بالنسبة للإمبراطور هناك، لكن سادت فترة من الفترات كانت العنقاء حاضرة بقوة أكثر من التنين نفسه، وكانت تعتبر رمزاً أكثر قدسيةً منه، لدرجة أنها ظهرت في العديد من رسوماتهم ونقوشهم تظهر فيها العنقاء وهي تهزم التنين من خلال نقر عينه، وقد جاء ذكرها في كتاباتهم التي وصفوا فيها العنقاء بأوصافٍ دلاليّة وروحانيّة، حتّى أنهم جعلوا منها رمزاً للسعادة والقوّة والرخاء.
وفي النهاية تبقى العنقاء هي الأسطورة الأكثر جمالاً في أعماق النفس، وأكثر توهجاً في الروح، فهي خالدة بعطائها، لا تهمها ألسنة النيران التي يظن الكثيرون بأنها نالت منها وانتهى أمرها، فميلادها وأسطورتها تكمن ببناء حياة أخرى مهدها الرماد، لتنطلق من جديد إلى سماء الكون بحريّة وشموخ، هي حقيقة تسكن نفس الإنسان، فكلّ إنسانٍ حرّ يخبئ بين ثنايا روحه عنقاء متمردة.

بقلم

غادة حلايقة

هناك تعليقان (2):

  1. طبعا العنقاء مخلوق أسطوري ، وهو عن كان موجودًا بالفعل ، فالمواصفات الخارقة مضافة، ومرسومة بخيال وإلهام ، ولهذا جعلوها من المستحيلات الثلاث ، انا أشبهها بالديناصور ، فهو مخلوق حقيقي يتميز بقوة هائلة لكنه انقرض ، حتى نسجت حوله الأساطير والخيال كما العنقاء تماما ، فتارة رمزًا للشر ، ومرة للخير تارة أخرى ، ومهما يكن من أمر فالمعلومات التي زودتنا بها الكاتبة معلومات نادرة خاصة فيما يتعلق بنظرة الشعوب لهذا الطائر المستحيل.

    ردحذف

INSTAGRAM FEED

@gh330kam