قصيدةٌ كتبت من الدم النازف من الوريد


قصيدةٌ كتبت من الدم النازف من الوريد
أبو نوّاس الروسي
(سيرغي يسينين – عشق ما بعد الموت)



سيرغي يسينين هو أحد أعمدة الأدب الروسي، ولد في 3/ 10/ 1895م، في قريةٍ صغيرة تقع في مُقاطعةِ ريازان، اسمها قسطنطينوفو.
عاش يسنين حياةً قصيرة صاخبة، مليئة بالأحداث، وقد لمع نجمه في بدايات القرن المنصرم جنباً إلى جنب مع فلاديمير ماياكوفسكي، والكسندر بلوك، ومارينا تسفيتايفا وآنا أخماتوفا وغيرهم.
يتميّز شعر يسنين ببساطته، ومحاكاته للطبيعة التي لم تبرح يوماً مُخيّلته، وقد تميّز عن غيره من شعراء عصره بكونه أقربهم للشعب الروسي، فقد كانت قصائده وليدة الطبيعة الروسيّة ومعاناة الشعب.
تميّزت حياة هذا الشاعر بالعُنف والصّخب والعربدة، ولم يكن يوماً مستقرّاً، فلم يكن على وفاقٍ مع الحكومة الروسيّة، إضافةً لإدمانه على معاقرة الخمر، لدرجةٍ أوصلته للانهيار العقلي بشكلٍ تام، ومحاولته الانتحار أكثر من مرّة، فقد ألقى بنفسه ذات يوم فوق سكّة القطار، ومرّةً أخرى رمى بنفسه في خزانات الوقود، وحاول الانتحار عن طريق قطع أوردته، وقد نظم قصيدته الأخيرة بدمه النازف، من وريده، أطلق عليها (قصيدة الوداع) وقال فيها:..

إلى الّلقاء يا صديقي..
إلى اللقاء
إنّ الموت في هذه الحياة ليسَ جَديداً
والعيش أيضاً
فلسنا أوّل مَن يَموت..
وَلَسنا آخِرَ مَن يعيش!

كانت نهاية يسينين في اليوم الّذي تلى نظمه لتلك الكلمات، حيث عُثر عليه مشنوقاً في الغرفة رقم 5 في فندق انترناشيونال، في 28/ 12 /1925م، غادر هذا الشاعر الحياة طواعيةّ بعد أن وضع حدّاً لها، وكان يبلغ من العمر ثلاثين عاماً.


حكاية العشق الذي جمع بين يسينين وغالينا بنسلافسكي ولم يجمعهما

         غالينا هي فتاة من سانت بطرسبرغ من أصلٍ فرنسي، فرّ والدها من الأسرة وهي ما تزال صغيرة، أما والدتها الجورجيّة فقد أُصيبت بهلوساتٍ عصبيّة أدّت بها في نهاية المطاف إلى الجنون.
تربّت غالينا في ملجأ لرعاية الأيتام منذ الثالثة من عمرها، وتبنّتها بعد ذلك خالتها وزوجها، وقد منحها زوج خالتها لقب عائلته بنسلافسكي.
التقت غالينا بالشاعر يسينين في قاعة الكونسرفاتوار الكُبرى، حيث يلقي أشعاره هناك، وبعد انتهائه من القراءة، اندفعت غالينا إليه ترجوه بأن يقرأ المزيد من أشعاره، ومنذ تلك الفترة أسرها الشاعر بسحره ولم تفوّت بعدها أي أمسيةٍ شعريّة له، وتحوّلت إلى صديقة وحبيبة وممرضة وسكرتيرة، لكنه لم يُجهر أبداً بحبه لها، وقد تزوّج بعدها من الراقصة الأميركيّة أنّا ايزيدانوفا، وهاجر معها إلى أوروبا، وبعدها أمريكا.
أمّا غالينا فلم تفقد الأمل وبقيت في انتظاره، رغم محاولاتها المتكررة في نسيانه عن طريق محاولة الوقوع في حبّ غيره، لكنّها فشلت، وبعد انفصال يسينين عن زوجته استقبلته غالينا بعد أن غفرت له كلّ أخطائه، ووقفت معه في كافة أوقاته العصيبة، وبعد أن ظنّت بأنه أصبح رجلها أخيراً، فاجأها بزواجه من زينايدا الرايخ، وعلى الرغم من حب زوجته الارستقراطيّة له، إلاَّ أنّه لم يتحمّل حياة الترف التي تخيّلها بأنها عبارة عن جنّةٍ اصطناعيّة، وهو ابن الحانات والشوارع والطبيعة.
وتعددت زيجات يسينين وغرامياته المتعددة مع النساء، ووعلى الرغم من هذا بقيت غالينا في انتظاره، وقد أصيبت على إثر تلك الأحداث بانهيارٍ عصبي، أدّى إلى دخولها لإحدى المصحّات خارج مدينة موسكو لتلقّي العلاج، وفي ذلك الوقت وضع يسنين حدّاً لحياته منتحراً عن طريق شنق نفسه، ولم تتمكّن غالينا من حضور جنازته الحاشدة بالمشيعين، فقد منعتها العاصفة الثلجيّة من حضور الجنازة، لكنها أصبحت تتردد على قبره بشكلٍ يومي، مهملةً نفسها وطعامها وعملها وملبسها، وشعرت في ذلك الوقت بأنها لن تستطيع الاستمرار في حياتها دون يسينين، فوضعت النهاية لحياتها في نفس الشهر الذي شهد انتحار يسنين، إذ عند زيارتها لقبره، أطلقت النار على نفسها، وقد عُثر في يدها على قصاصةٍ ورقيّة مكتوبٌ عليها:
".... هذا القبر أغلى ما عندي".

بقلم

غادة حلايقة

هناك 3 تعليقات:

INSTAGRAM FEED

@gh330kam