عقدة أوديب الأنثويّة – أليكترا



كنتُ قد سلّطت الضوء سابقاً على واحدةٍ مِنَ العُقد النفسيّة التي يُعاني منها الأطفال من الذكور، وهي عقدةُ أوديب التي تتجلّى من خلال مَيل الصبيان إلى حبّ أمهاتهم، حيث تغلب عليهم مشاعر الغيرة والكره من آبائهم.
وآثرت أن أتكّلم في موضوعي هذا عن عقدةٍ مماثلةٍ لها، وتعادلها عند الأطفال من الإناث، وهي عقدة أليكترا التي أسماها فرويد عقدة أوديب الأنثويّة.



معنى عقدة أليكترا
تُعرّف هذه العقدة بأنّها التعّلق المرضي واللا واعي للفتاة بوالدها في فترة الطفولة، وكرهها وغيرتها من والدتها ومناصبتها العداء، ومنافستها على حبّ أبيها. ويجد الأطباء النفسيّين أنّ من أهمّ العوامل المسبّبة لظهورها:
- غياب تفعيل دور الأم التربويّ مع ابنتها.
- وقلة تفهّم احتياجاتها في التعبير لها عن حبّها وأهميتها.
- أو بسبب قلّة وجودها إلى جانبها، أو العكس بهدف المراقبة وتسجيل الأخطاء، على اعتبار أن التوجيه بالعتبِ والملامة والوعيد، والتهديد بالعقاب، غالباً ما يصدر عن الأمّ، مما يخلق شرخاً بينهما.
ووجدوا بالتّالي أنّ توبيخ الأم، له أكبر الأثر في كبت الفتيات لرغباتهنّ الأوليّة، ومن هنا وكنوعٍ من الاحتجاج، نرى تقليد الفتيات الصغيرات لأمهاتهنّ في الكثير من تصرفاتهنّ، كطريقة المشي ونبرة الصوت وبعض الألفاظ والحركات، وحتى استخدام أغراضها الشخصية، كالملابس وأدوات الزينة وارتداء حذائها ذي الكعب العالي...


أصول عقدة أليكترا
بالرغم من أنّ الطبيب الشهير رائد علم النفس التحليليّ "سيغموند فرويد" هو أوّل من عرّف هذه العقدة، إلاّ أنّ من أسماها بعقدة أليكترا كان الطبيب "كارل جانغ"، وقد استلهم التسمية من الأسطورة الإغريقية لأليكترا.


أسطورة أليكترا
جاء في ملحمة أوديسا أنّه تزوج الملكان الأخوان "مينلاوس"، و"أغاممنون" من أسبارطا، من الأختين "هيلينا"، و"كليمنسترا" التي أنجبت لأغاممنون ولداً ذكراً أوحد، هو "أوريستوس"، وثلاث بناتٍ هنّ "إيفيجينا" و"كريسوثيميس" و"لاوديكي" وهي نفسها أليكترا، ومعنى التسمية (منورة) لأنّها بقيت عذراء، فقامت هيلين بالهروب مع الأمير باريس إلى طروادة، بعد سرقة مجموعة من كنوز قصر زوجها مينلاوس الذي استغاث بأخيه أغاممنون من أجل استعادتها.
وبالفعل لبّى الأخير نداء أخيه، وانطلق على رأس أسطولٍ بحريٍّ معلناً الحرب على طروادة، وكان أغاممنون بارعاً في التسديد والصيد، وكان كثير التفاخر بذلك حتى ادعى أنّه أمهر من الإله أرتيميس، وتجرأ في أرضٍ يحرّم فيها الصيد، وقام بقتل أحد الظباء المقدّسة، فأغضب هذا الأمر الآلهة، وأوقفت الرياح في وجه أسطوله فلم يستطع الإبحار، فأشار عليه عرّافه أنّه يجب استرضاء الآلهة وذلك بالتضحية بابنته الكُبرى، فأرسل في طلبها وأخبرها بحقيقة الأمر الذي فُرض عليه، فوافقت أفيجينا أن تكون قرباناً للآلهة، إلّا أنّ الأم كليمنسترا عارضت ورفضت بشدّة، فنفاها أغاممنون إلى مكانٍ بعيدٍ، فسقطت فريسة الحزن مما جعلها تحقد عليه وتنوي قتله.
وبعد أن طالت الحرب، استغلّ ابن عمه ايجيتوس الظرف وتقرب من كليمنسترا وأغواها، وبعد عشْرة أعوامٍ، عاد أغاممنون من الحرب ومعه الأميرة كاسندرا ابنة ملك طروادة، مما زاد من حنق زوجته عليه، فجاءته وهو يستحمّ وقيّدته بمعونة عشيقها بشبكةٍ، وقاما بقتله وقتل كاسندرا، وتزوّجا وخَلف أغاممنون على عرشه.
أحزن هذا التصرّف الابنة الصُغرى أليكترا، التي قضت أيامها في البكاء والنوح على فقد أبيها، فقامت وبمساعدة أحد الخدم الأوفياء بتهريب أخيها الصغير أوريستوس إلى دلفي، ليعيش في بيت عمّتها خوفاً من أن يقتله ايجيتوس ليُحافظ على العرش.
كانت أيّام أليكترا مثقلةً بالحزن والبكاء ونيّة الانتقام من قاتلي أبيها الذي أحبّته، كما واجهت أمّها مرّات عدّة بجريمتها، وأنّ هذا التصرّف ناتج عن زوجةٍ فاسدةٍ ومغتصبٍ ملوّث للعرش، وعقاباً لها تمّ تزويجها من أحد الفلاحين البُسطاء لحرمانها من النسب النبيل للملوك ولإذلالها، وحين علم زوجها بقصّتها تحنّن عليها، وامتنع عن معاشرتها احتراماً لرغبتها، وأحسن معاملتها، وكانت تنتظر اللّحظة التي يعود فيها أخوها للثأر من القاتلَين.
وفي إحدى الأيام، أخبرت العرّافة أوريستوس أنّه يتوجّب عليه العودة إلى موطنه ليثأر لأبيه، ودلّته على مكان قبره، وهناك التقى بأخته أليكترا التي اعتادت زيارة ضريح أبيها والانتحاب عليه وصبّ لعناتها على من قتله، واصطحبته إلى بيتها، بعد أن عَرَفَتْهُ من جرحٍ قديمٍ في حاجبه، ووضعا خطّة محكمة لدخول القصر وهي إشاعةُ خبر وفاة  أوريستوس، وأنّ رُسُلاً قَدِموا من دلفي يحملون رماده، فتنكّر الأمير الشّاب بهيئة رجلٍ من العامّة، وحمل جرّة برونزيّة على أنّه حامل الرماد، فأسرعت كليمانسترا لتتحقّق من الأمر، ليُفاجئها ابنها بحقيقته، فأخذت تستعطفه كي يُبقي على حياتها لكونها أمه، وقد تصيبه لعنتها، إلّا أنّه بادرها بطعنةٍ قاتلةٍ وسط فرحة أليكترا التي خاطبت أخيها قائلةً: "اطعنها مرتين إن استطعت".
في هذه الأثناء كان ايجيتوس قد وصل مُستبشراً لخبر وفاة الأمير، فأخذته أليكترا إلى مكان الرسل الذين كانوا يقفون أمام جثة مغطّاة، وحين رفع الغطاء وجد جثّة زوجته، فأدرك المكيدة التي وقع بها، فاقتاده أوريستوس إلى الحمّام وذبحه في الموضع الذي قَتَلَ فيه والده أغاممنون.

بقلم:

ميرنا قره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

INSTAGRAM FEED

@gh330kam