تقول الأسطورة بأنّ آدم قبل أن يلتقي بحواء، كان متزوجاً
من ليليت التي أنجبت منه مئاتٌ من البنات والبنين، وكانت هي شريكته الفعليّة في
الأرض.
جاء اسم ليليت الزوجة الأولى في العهد القديم وكُتب
التراث العبري، ومنها كتاب (زوهرا بن سيرا) الّذي أورد قصّتها، حيث ذكر في هذا
الكتاب بأنها شريكة آدم التي خُلقت معه، لكنّها تمرّدت عليه رافضةً سطوَته
وسيطرته، هاربةً باتجاه الأرض تاركةً لآدم مئات من الأولاد، فأُرسل في طلبها ثلاثة
من الملائكة في محاولةٍ مِنهُم لإرجاعها أو قتلها، لكنّها رفضت الخُضوع والرجوع،
فصدر الحُكم بحقّها بأنْ تتحوّل لامرأةٍ عاقر، وقتلِ مئةٍ من أبنائها في كلِّ
ليلة، فقرّرت ليليت الانتقام من أبناء آدم من زوجته حوّاء وقتلِ صغارهم.
ساد شرُّ المرأة الغاضبة، فكانت تقتل الأجنّة في بطون
أمهاتهم، وهذا ما يُفسّر وضع نساء العصور القديمة للتمائم الّتي تحمل أسماء ثلاثةٍ
من الملائكة لِحمايتهم من شرّ ليليت في فترة حملهِنّ وإرضاعهن.
ورد ذِكرٌ للأرواح الشِّريرة التي تفتكُ بالنساء الحوامل
والمُرضَعات، إضافةً إلى الأطفال الرُضّع في عدد مِن نّصوص الكتاب المقدس القديمة،
وصوّرت تلك الروح في عصر النّهضة على شكلِ أفعى تلتفُّ حول شجرة، والتي ترمز إلى
الأفعى الّتي أغوت حوّاء، للاقتراب من الشّجرةِ المُحرّمة والأكلِ منها، والّتي
تسببت في طردها هي وآدم من الجنّة إلى الأرض.
في عصرنا الحَديث لم تعُد ليليت رمزاً للشرّ والغِواية،
فقد تغيّرت النظرةُ إليها لتُصبح رمزاً ومثالاً لاستقلال المرأة وتحرُّرها، بعد
اعتبار ليليت أكثر حكمة وذكاء مِن آدم، الأمر الّذي جعلها ترفض سيطرته وتضيقُ
ذرعاً به، فتركت جنّته وهجرته بكامل حريّتها وإرادتها، وصوِّرت هذه المرأة على شكل
متمرّدة وثائرة بأشكالٍ وصور مختلفة في الأدب العالمي، فقد ظهرت في الملحمة
الشِعريّة (الفِردوس المفقود) لـ"جون ملتون"، على صورة أفعى ساحِرة،
أمّا "فيكتور هيجو" فقد صوّرها على هيئة مصّاصةِ دماءٍ مُرعبة، وقد ظهرت
ليليت في لوحةٍ شهيرة صوّرتها على شكل امرأة خالدة ومثيرة، وحملت اسمها (Lady Lilith) للشاعر
والرسام الإنجليزي "دانتي روزيتي"، إضافةً لظهورها في العديد من أعماله.
الأسطورة ليليت هي امرأة ذات فتنة وجمالٍ جامح لا
يُقاوم، فهذه المرأة ترمز للأنوثة الكاملة التي تجمع الجمال مع الكبرياء والذكاء
الباهر، كَثُرَ الحديثُ حول صفاتها وأعمالها ودورها الّذي قامت به في السماء
والأرض منذ آلاف الأعوام، وقد اختُلِفَ في الُّلغات الساميّة على لفظِ اسمها، فهي
تُسمّى بالعبريّة (ليليث)، وبالأكاديّة (ليليتّو)، وبالُّلغةِ العربيّة (ليل)،
وجميع تلك الأسماء تحمل المعنى ذاته، وهو "أنثى الظلام"، أو "مخلوقة
ليليّة أنثويّة"، وقد تمّ الرمز لها بالعديد من الأشكال والصور عبر العصور،
فقد صوّرت كأنثى مجنّحة، وكطائر البوم، وعلى شكل أُنثى جميلة تملك جسداً مُثيراً
وشعراً طويلاً، تُغري الرجال بجمالها حتّى تتمكّن منهم وتقتلهم.
تجسّدت ليليث على شكل هواءٍ وريحٍ عند السومريين، فكانت
لهم آلهة الرياح الحارّة الّتي تتسبّب بموت الكثير من النساء في لحظة الولادة
وفترات النّفاس، وقد ذُكرت واحدة من الأساطير بأنّ جلجامش حاول الإمساك بها
وقتلها، لكنّها تمكّنت من الفرار باتجاه الغابات واحتمت بأشجارها، واتخذتها مسكناً
لها، وقد ورد ذكرها في عدد من النقوش البابليّة والآراميّة أيضاً.
بقلم
غادة حلايقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق