بشّارُ بن بُرد

بشّارُ بن بُرد

إمام الشعراء المولدين، وعميد مدرسة الحداثة
شاعراً هجا أمير المؤمنين، وعتمة إعاقته،
فاتُّهم بالكُفر والإلحاد، وقُتِل ضرباً بالسوط!!


بشار بن برد بنُ يرجوخ العُقيلي (أبي معاذ)، وُلد في مدينة البصرة عام 714م، وقد عاصر نهاية الدولةِ الأمويّة، وبدايات الدولة العباسيّة، تميّز بطوله وضخامة بُنيانه، وقد كان دميم الخُلقِ، عُرِف بأنّه شاعر البصرة وفاتنها.

كان بشار بن برد من فحولة شعراء العرب، ولد ضريراً وعلى الرغم من إعاقته فقد كان غزير الشّعر قليل التكلّف، كثير الافتتان وسمح القريحة، والأصوب بديعاً من بين كافّة الشّعراء المولدين، حيث قال فيه أيمة الأدب:
"لم يكن في زمن بشّار بالبصرة غزلٌ ولا مغنية ولا نائحة إلاَّ يروي من شعر بشّارٍ فيما هو بصدده".


أما الجاحظ فقد قال فيه:
"ليس في الأرض مولدٌ قروي يعدّ شعره في المُحدث إلاَّ وبشّارٌ أشعر منه".

عُرف بن برد بجرأته في الاستخفاف بالتقاليد والأعراف، إضافةً لهذا فقد اشتُهِر بأنّه يهجو كلّ من لا يُعطيه، فقد مدح الخليفة المهدي ذات يوم، لكنّ الخليفة منع عنه الجائزة، امتعض بن برد وأسرها في نفسه، وهجاه بعدها هجاءً عنيفاً، وطال هجاءه وزيره (يعقوب بن داود)، فغضب بن داود وانتظر قدوم الخليفة المهدي إلى البصرة، وأخبره بأنّه قد ثبت بالبيّنة بأنّ بشّار بن بردٍ زنديق، وقد هجا أمير المؤمنين، حيث قال:
"يا أميرَ المؤمنين، إنّ هذا الأعمى المُلحِد الزّنديق قد هَجاكْ؛ فقالَ: بأيِّ شيء؟، فقال له: بما لا ينطِقُ بهِ لِساني، ولا يتوهّمهُ فِكري. فقال له: بحياتي ألاّ أنشدتني!، فقل: والله لو خيّرتني بين إنشادي إيّاه، وبين ضربِ عُنقي لاخترتُ ضربَ عُنُقي، فحَلَفَ عليهِ الخليفة بالأيمانِ الّتي لا فُسحةَ فيها بأن يُخبِرَه، فقال: أما لَفظاً فلا، ولكنّي أكتُبُ ذلك، فكتَبَ قائلاً، يقول الزّنديقُ بن بُرد بأنَّ الخليفةَ يزني بعمّاتِهِ، ويلعبُ بِالدّبوقِ والصّولجان".

غضب الخليفة وأمر قائِد الشّرطة بالقبضِ عليه وضربه بالسوط حتّى يموت.

أخذ رجال الخليفةِ شاعرنا في زورقٍ، وبدأوا بضربه هناك، وكلّما اشتدّ ضربهم له، صاح بشّارٌ (حس)، وهي الكلمة الّتي كان يقولها من يشعر بالألم، ونتيجةً لهذا قال بعض من حضر ضربه:
"أنظروا إلى زندقته، ما نراه يحمدُ الله تعالى".
فصاح بشّارٌ:
"ويلك، أطعامٌ هو حتّى أحمدُ الله عليه"؟!

وبعد أن ضُرب سبعين سوطاً أشرف الشّاعر على الموت، فألقى جلادوه به على ظهر الزّورق حتّى لفظَ أنفاسه الأخيرة، وفارق الحياة، ومن ثمّ أُلقي بالماء، فحمله الماء إلى شاطئ دجلة، فأخذ أهله جسده وواروه الثّرى.

قيل بأنّ بشار قد قال ذات مرة:
"الأرضُ مظلِمةٌ والنّارُ مشرقة، والنّارُ معبودةٌ مُذ كانت النّار". فوصل الأمر لواصل بن عطاء الّذي أخذ يحرّض على قتله قائِلاً:
"أما لهذا الأعمى المُلحِد المُشنّف المُكنّى بأبي مُعاذٍ من يقتله، أما والله لولا أنَّ الغيلةَ سجيّةٌ مِن سجايا الغالية لبعثتُ إليهِ مَن يبعجُ بَطنه على مَضجعِه، ويقتُلهُ في جوفِ منزِلِه، وفي يومِ حفْلِه".

وهكذا فإنّ بن بُرد قُتل واتُّهِم بالزّندقة، لأنّه شاعرٌ هجا كبير القوم، وهجا العادات والتقاليد، واللافت في الأمر تلك الألقاب الّتي لم يكن يحرّمها النّاس على أنفسهم، كنعت المريضِ بِعلّته، ونعي الضّرير بالأعمى، وكأنّه كائنٌ آخر قذر وجب التخلّص منه !!

بقلم

غادة حلايقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

INSTAGRAM FEED

@gh330kam