وانتبهتُ لتكرار وجهٍ بعينهِ.. لكن بأقنعة مختلفة.. ابتسمَ قناعٌ لدى رؤيتي بين أصدقاء وافتَعَلَ الابتهاجَ بوجودي.. وأخذَ يُثني على شخصي.. مؤيداً جملَهُ الودودةَ بمواقفَ أخذَ يرويها لهم عني بفخرٍ واعتزاز..!
الوجهُ
نفسُهُ.. وربما في اليومِ نفسهِ.. استبدل القناعَ وشرع ينضحُ سخطاً وامتعاضاً..
ويغدقُ عليَّ من بِركةِ نفسهِ الآسنة ما يمكنُ أن تغدقهُ بِركةٌ آسنةٌ متعفِّنةٌ
أمام الآخرين.. وفي غيابي..!
ولمْ
أُفاجأ بهِ في وقتٍ آخرَ وهوَ يتودَّدُ بكلِّ تأنُّقٍ ووقار.. ويفخرُ بما أرسمُهُ
لنفسي في لوحة هذه الحياة.. وأمام أولئك الآخرين الذينَ اغتابني بالأمسِ بينهم..!!
يكفي
أني لستُ وحدي من كشفَ أقنعتهُ وأسقطها من حساباتِ اهتماماتهِ.. فعزائي أنَّ
أولئكَ الآخرين يعلمونَ مراءاتِهِ وافتراءاتِه.. وربما يشجِّعونهُ على كيِّ
أقنعتِهِ لتبدوَ جديدةً برَّاقةً أخَّاذةً مهما عدا عليها الزَّمن وأرهقها
الاستعمال.. بل ربَّما يساعدونَهُ بارتداءِ القِناع الملائم للَّحظةِ المنتقاة..!
قالت
لي الأقنعة: تعبتُ من تَلَبُّسِهِ لي.. أرهقني هذا الذي يمكِنه أن يظهرَ بكلِّ
تلكَ الوجوهِ.. الذي يمكنهُ أن يستبدلَ أكثر من أربعةٍ وعشرينَ قناعاً في يومِهِ..
تعبتُ.. تعبت..!
قلتُ:
الزَّمنُ كفيلٌ بإراحَتِكِ.. كفيلٌ بإزاحتِكِ.. ستسقطين يوماً ليظهرَ على
حقيقته..!
قالت:
بل سيسقطُ هو.. عندما يظهرُ على حقيقتهِ..!!..
*
سلسلة قالت لي الأيّام.
بقلم:
إيمان نايل عبيد
لإيقاع الحياة المعاصرة انعكاساته في بنية القصة ومضمونها ، وتنوع اتجاهاتها ... تناولت القاصة هنا موضوع الأقنعة بطريقة وبصمة مختلفة تماما عمن تناولوها سابقا ، وهذا يعطيها حق الامتياز والتميز ذلك ان الكاتبة صنعت قصة قصيرة معتمدة على الاستعارة المكنية في بث الروح بالجماد وصناعة حوارا ممتعا بينها وبين القناع ... لهذه القصة مذاقا خاصا ، وطابعا منفردا ، إنها خروج عن إطار الذاتية وفيض المشاعر والأحاسيس الداخلية المتشابهة ، والتي أغرقتنا فيها قصص مكررة ومواضيع مكررة وبأسلوب تقليدي لا ابتكار فيه ولا تجديد ، الكاتبة هنا تقوم بإطلالة على مجتمع الأقنعة ، وتترصد انعكاساتها على علاقات البشر من حولها ، وهذا مؤشر على اتساع آفاق التجربة التي عمقت من قيمة هذا العمل الفني ...
ردحذف