قيثارة الكلمة وحقيقة الطيف

أيمن دراوشة

تمشي مثل لوركا – بين بنادق من غرابة المجتمع وقسوته وظلمه، ومن معاناة فلسفة أَرادها صاحبها سبيلًا للانتصار، دفعَ الضريبة جسدٌ تهاوى في معتقدات بائدة، وتقاليد موروثة، وبقيَ طيفُها قيثارةً لنغم الكلمات، وظل النغم حقيقة الطيف.
عبقرية الكلمة تعشق الحياة، مشاكسة طموحة، أَبعد من الأفق الذي انتصبتْ أَسيجتُه على زوايا وجوده، وأَحلام أَوسع من العينين اللتين صُوِّرتا في الهيكل البشري، وربيع أَغنى من فصل يُلبس الطبيعة خضرةً وتغريدًا؛ ولأَنها كذلك احترق الحرف لفافة تبغٍ على شفتيها، وَأُهرِقَ الضوءُ قوارير طيبٍ في أوزانه، وَجَمَحَ الأَملُ الحزينُ وراءَ تخومِ المستحيل، وأَضحى نجمًا وقصيدة وأمل...
يا أَنتِ، ماذا أَستدعي من ذكريات، وماذا بوسع ملامحها أَن توحي، وأَيُّ شيءٍ تُخفي معالمها؟ وهل أَنا بحاجة إِلى استنطاقها؟ أَمْ هي مني وأَنا منها؟! كما العطرُ من الوردة، وكما الثمر من الشجر.
هذا البوح لن تُطفئَه رِياحٌ مجنونة، لا عهدَ به للرياح، وليس فيه من سمات الرِّياح أَثر، سيبقى عهدُنا نشدُّ عليه بالأَهداب، فلا ينفلتُ إلى عالم الضوء فيحترق، ولا إلى عالم الظلام فيتلاشى ويضيع.
سأقول عنك أَعذب الكلام، بأَنك الإِنسانة الرقيقة المرهفة التي استقبلت سَأْمَ الحياة وصخبها، بإخلاصٍ وبساطة وصراحة ولا مبالاة، بعد أَنْ منحتكِ الحياة من لا مبالاتها القسط الذي تمنحه عادة لمن يحمل مزاياكِ.
 لا مبالاتك أشهدُ لها بأنها لم تكن سلبية، بل تعرف كيف تعتنق الكفاح عندما يُعْزَمُ الأمر.
أيها الشجن الذي لبس الفرحة ليضفيها على الناس وعلى الحياة، فلنسِرْ معًا، وإنْ اختلفت وسائل المجابهة على امتداد الطريق الوعر، وفي رحابة الميادين الملتهبة، من قبلك ترجلت الفارسات، ومثلك لن يترجل حتى يشقَّ النورُ عتمته.
لم نقلْ كلَّ ما نريده، ولم يتحققْ من أمانينا كلُّ ما أردْنا، ولم تُلقِ السَّمْعَ دنيانا لكل ما قلناه، ولم نغير الكثير مما أردنا تغييره، ولم ندرك بعد مَرادَنا...
إننا حلقة من هؤلاء الذين يريدون أن يقولوا شيئًا، ثم يغيبون في المجهول، بعد أنْ جهروا بالكلمة الإنسانية، المترفة حينًا كالأحلام، المرهقة حينًا آخر كالفقراء، على أنَّ الفِراقَ إذا كان الشَرُّ الذي لا بُدَّ منه، فإنَّ اليأسَ سيظلُّ الغريب الذي لا مَحيدَ عن رفضه.


        




هناك تعليقان (2):

INSTAGRAM FEED

@gh330kam