بعد أن وصلتُ إلى نهاية الصفحة (456) وأنهيتُ قراءةَ طبعة قديمة لرواية (ذهبَ مع الريح)، قالت لي المطالعة: أَمَّا عملُكِ هذا فلن يذهبَ مع الريح.. فأَنا كنزٌ ثمينٌ لمن يقدِّر أهميَّتي.. وستجدين فائدتي حاضرةً في كل حين..!
قلتُ:
أديبةٌ* ما كتبتْ قبلَ ولا بعدَ (ذهبَ مع الريح) وقفتْ بثباتٍ في ميدان الأدب..
وانطلقتْ إلى بقاع العالم على مرِّ السنين.. لَكمْ هذا مدهشٌ..!
قالت:
لكنَّها قرأت الكثيرَ فاستوعبتِ الكثير..!
قالت:
هو المِرانُ والممارسة.. لكن عليهم بإعلان بَدْءِ المحاولة.. وبعدها يهونُ ما
يحسبونه صعباً..!
قلتُ:
يشتكون ضيقَ الوقت.. وأوقاتُهم منثورةٌ على ساحةِ اللاّمبالاة..
قالت:
أدري.. وأتألَّم لذلك.. أتألَّم للهجران الذي ما حدث لي قبل هذا الأَوان.. منذ كنت
الحبيبةَ التي شُغف بي كثيرٌ من المولعين بالقراءة.. بل كنتُ الأُمَّ التي تعتصر
كلَّ ما في تجربتها من خيراتٍ وتمنحُها لأبنائها بكل سخاء.. فما قدَّروا ذلك وما
كانوا بَرَرَة.. وانشغلوا بوسائل ترفيهٍ لا تغني عني شيئاً..!
قلت:
عذراً أيَّتها الأُمُّ الرؤوم.. فأبناؤك الذين اعتادوا على ملازمتك والنَّهلِ من
ينابيع عطائِك ما هجروك.. إنَّهم مازالوا على عهدك بهم.. الشكوى من أولئك الذين ما
حاولوا وِرْدَ عيونِكِ الثرَّةِ والارتواءَ من مائك المغذِّي.. ما عرفوا بعدُ
قيمتَكِ لهم في الحياة.. لكن كما قلتِ بالمِران والممارسة يمكنُهم ذلك.. فهل
سيبدؤون؟!
قالت:
ومن لي بِهَدْيِهم كي تعانقَني عيونُهُم وأمنحَهَمُ ما لديَّ من كنوز..
قلتُ:
نحن – أبناءَك البرَرَة – علينا أن نرشدَهم.. أتعلمين؟! أحلم بفكرةٍ عَلَّها تصبح
نواةَ مشروعٍ تتبنَّاه مؤسَّسةٌ ما.. ما رأيُكِ بكُتيِّبٍ صغير يمكن أن يرافقَ
الإنسانَ خلالَ ساعات يومه.. في وسائل النقل التي تستغرق من يومنا أكثر من
ساعتين.. في الحدائق.. في أكثر من مكانٍ يصعب على كتابٍ كبيرٍ أن يُثقل علينا
فيه.. إنه (كتابُ الجيب) الذي سنتعوَّد حملَهُ أينما ذهبنا.
قالت:
فكرةٌ حسنةٌ.. لكل هل ستجدين القارئ الذي تُعجبه هذه الفكرة؟!
قلت:
عندما يكون الكتيِّب صغيراً سهلَ الحملِ سيُنجَزُ بسرعةٍ ولن يشعر القارئ بطول
الطريق أو زحمة المرور.. لذلك سيقرأ ويقرأ..!
قالت:
علينا قبل ذلك أن نهيِّئ أبناءَنا للقراءة.
قلت:
فلنتبادل الكتب هديةً في مناسباتِ أبنائنا.. أنا أفعل ذلك منذ سنواتٍ.. هديَّتي
كتابٌ للناجح والمريض والعائد من سفر والمبتهج بقدوم عامٍ جديد.. صحيحٌ أن البعض
يهمله لكن سيقرؤه في وقت ما..
قالت:
أرجو ألاّ يشغلَك التحضير للكتيِّب عن لقائك اليوميِّ بي.. فأنا بشوقٍ لأبنائي
كلِّهم على مرِّ الساعات.. فهل ستفعلين؟!
قلت:
في موعدي اليومي معك ستجدين كتاباً جديداً يختال بين يدي.. يفتح قلبه لي.. ثم
يتسلَّل رويداً رويداً غذاءً صافياً إلى خزينةِ أفكاري..!
قالت:
ولن يذهبَ عملُك هذا مع الرِّيح..!!
* الكاتبة
الأمريكية مرغريت ميتشل
بقلم:
إيمان نايل عبيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق