وحكايات أكل البشر للحوم بعضهم البعض من شدّة الجوع
في عهد الدولة الفاطميّة، غابت مياه النيل لمدّة سبع سنواتٍ متواصلة في عهد
الخليفةِ الفاطمي المُستنصِر بالله، الأمر الّذي أدّى إلى حدوث كارثةٍ عظيمة في
البلاد أدّى إلى تصحّرها وهلاك الكثير من البشر، ووقوع أحداث تُدمي القلب.
كنا نسمع عن أكلة لحوم البشر، ونعتقد بأن تلك الحكايا هي مجرّد أساطير لا
أساس لها، ولكنّها الحقيقة الّتي حدثت على أرض مصر في تلك المجاعة، فقد وصل الأمر
بالناس هناك إلى أكل القطط والكلاب وجثث الأموات، وتعدّاه إلى اصطياد البشر لبعضهم
البعض لسدّ جوعهم، حتّى قيل بأنّ تلك المجاعة قد تسببت بفناء عائلاتٍ بأكملها،
وانتشار وباء الطاعون لمدّة سبعة أعوام متتالية.
والسبب وراء حدوث هذه المجاعة هو قصور مياه فيضان نهر النيل، الأمر الّذي
أدى لارتفاع الأسعار، وتعطّل الزراعة الناتج عن موت الفلاّحين، واشتدَّ الوباء
فيها، إضافة لانتشار أعمال السلب والنّهب على نطاقٍ واسع.
اشتدّ الجوعُ بالناس، حتّى قيل أنه قد بيعت حارة كاملة بـ(طبق خبز)، وأُطلق
عليها لاحقا اسم (حارة الطبق)، ومن شدّة الجوع لجأ الناس إلى أكل نِحاتة النخيل،
وطبخ جلود الأبقار وبيعها وبيع الحيوانات الأليفة لأكلها كالقطط والكلاب، وسرقة
كافّة دواب الخليفة التي كان يقدّر عددها بعشرة آلاف جمل وفرس ودابة، ولم يتبقَ
عنده سوى ثلاثة خيول.
اشتدّ الجوع بالناس واختفت الحيوانات الأليفة التي استهلكها البشر هناك
لسدّ جوعهم، فصنع الناس خطاطيف وأعدّوا حبالاً لخطف المارّة، وبعد خطفهم يقومون
بضربهم بوساطة الأخشاب حتّى تتشرّح لحومهم فيتمكّنون مِن أكلهم، وتحوّلت لحوم
البشر إلى سلعة رائجة في تلك الفترة، حيث كانت تُباع للنّاس مطبوخة، وكان غالبيّة
الضحايا من النساء والصبيان.
ومن الحوادث الشهيرة على أكل لحوم البشر هناك، ما ورد ذكره عن خطف امرأة
بدينة، فقام الخاطف بإدخالها إلى غرفة تمتلئ بالسكاكين ورائحة الموتى وآثار
الدّماء، أوثقها الخاطف وقام بالتشريح من فخذيها ويشوي فوراً، فأكل وشبع وشرب حتّى
سكر، في تلك الأثناء فرّت المرأة منه واستغاثت بالوالي الّذي جاء على فوره إلى
المكان، وضرب عنق الخاطف.
كان أحد أهمّ الأسباب الّتي أدت إلى انتشار الأوبئة هو أكل الجيف ولحوم
البشر، فكثر أعداد الضحايا حتّى عجز النّاس هناك عن دفن موتاهم أو تكفينهم، فقاموا
بدفنهم بحفر جماعيّة وهالوا عليهم التُراب، والبعض منهم قاموا بقذف موتاهم في نهر
النيل.
تَذكر المراجع التاريخيّة بأنّ مجاعة الشِدّة المُستنصريّة بكلّ ما صاحَبها
من جرائم وأوبئة قد أفنت قرابة ثُلثي أهل مصر، ومع انتشار الجدري بين الأطفال هناك
الأمر الّذي أدّى إلى وفاة أكثر من واحدٍ وعشرين ألف طفلٍ في شهر واحد فقط.
أدّت هذه المجاعة إلى فناء قُرى بأكملها، وهجرة ما تبقّى من المناطق الأخرى
باتجاه الفسطاط والقاهرة، الأمر الّذي أدى إلى تناقص أعداد القُرى بشكلٍ واضح، ولم
تسلم العاصمة من الوباء حتّى قيل أنه إن مات أحدٌ في بيت بسبب الوباء، لا يمضي
اليوم حتى يأتي الموت على كامل أهل ذلك البيت.
بقلم
غادة حلايقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق