شجرة الدرّ درّة السلاطين

شجرة الدرّ درّة السلاطين

امرأة شغلت عرش مصر لثمانين يوماً، ولكنها شغلت العالم عبر التاريخ، إنها شجرة الدر، واحدة من أولى النساء السلطانات في العالم الإسلامي، وهي أوّل مَن جلست على عرش مصر من ملوك المماليك.

تعود تسميتها بشجر الدر أو شجرة الدر نسبةً إلى ثوبٍ من اللؤلؤ كان أبيها قد ألبسها إياه (والدر هو الؤلؤ).

اختلفت الروايات والمصادر حول نسبها، فمنها من اعتبرت أنّها تركيّة الأصل، وبعضها رجّحت أنّها من أرمينيا، والبعض الآخر أكّدت على أنها خوارزمية من المماليك، والمعلومات عن نشأتها وطفولتها غير متوفّرة، إلاّ أنّ هناك إجماع على أنّها كانت جارية، وقد تمّ بيعها إلى السلطان الأيوبي "الصالح نجم الدين" قبل أن يُصبح سلطاناً على مصر، وقد أحبها وميّزها عن باقي جواريه، فكانت كلمتها مسموعة لديه، وقد أنجبت منه ولدها خليل، وبعد اعتقاله وسجنه في مدينة الكرك في الأردن عام 1239 م، رافقته في معتقله إلى أن أُفرج عنه، وتوجها معاً إلى مصر، حيث تزوّجا هناك، وتمّت توليته في عام 1240م سلطاناً على مصر، وقد دام حكمه فيها لمدة عشرة سنين، ونظراً لذكاء شجرة الدر الشديد وحنكتها ودهائها، كان السلطان نجم الدين أيوب هو الحاكم في الواجهة، بينما هي التي كانت تُسيير أمور الحكم الفعلية، وخصوصاً في الفترات التي كان زوجها فيها يكون خارج البلاد.


ليتوفى السلطان الصالح نجم الدين في 23 تشرين الثاني عام 1249م، في فترة عصيبة من تاريخ مصر، التي كانت تخوض المعارك مع ولاة الشام الأيوبيّين، الذين كانوا ينافسوا على حكم مصر، بالإضافة إلى توالي الهجمات الصليبيّة عليها بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا. وفي ظل هذه الأحداث، تكتّمت على خبر وفاته، وبحكمة كبيرةٍ وتجاوزٍ لحزنها البليغ، اجتمعت برئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن، وبقائد الجيش الأمير فخر الدين يوسف، وأخبرتهما بموت السلطان الصالح، وأنّ إعلان خبر وفاته في هذه الظروف الحرجة سيكون له التأثير السيّئ على الجيش المصري وعلى كامل البلاد، فقاموا الثلاثة بإخفاء الخبر، ووضعت جثمانه سراً في مركبٍ وجهته إلى قلعة جزيرة الروضة في القاهرة حيث دُفن هناك، وبقيت تُصدر الأوامر والمراسيم السُلطانية، ولكي لا يَشِكُّ أحد، كانت تُدخل الأطباء والطعام إلى حجرة الملك بحجة أنّه مريض ولا يمكن مقابلته، وأرسلت في إثر ابن السلطان نجم الدين توران شاه ليتولى حكم مصر بعد أبيه، إلاَّ أنَّ الملك الجديد بعد انتصاراته على الصليبيّين تنكّر لها وانقلب عليها وعلى من والوه من الأمراء، وهدّدها مرّات عديدة، إلى أنْ تمّ اغتياله في عام 1250م، الأمر الذي جعل المماليك في حيرةٍ من أمرهم حول اختيار الشخصية الأجدر لاعتلاء عرش مصر، فاختاروا شجرة الدرّ وبايعوها.

تكنّت شجرة الدرّ بعدّة ألقاب، منها المستعصمية والصالحية وأم خليل، فضربت النقود باسمها "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين" كما أحسنت إدارة زمام الحكم، إلاّ أنّ أهمّ إنجازاتها بالرغم من فترة حكمها القصيرة، هي عقد المفاوضات مع الصليبيّين على تسليمهم الملك لويس الذي كان في الأسر ومن معه، مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة، مع تعهده بالخروج من مصر وعدم الرجوع إليها وعدم مهاجمتها مجدداً، وبذلك أنهت الوجود الصليبي في المنطقة.

لم يرق للخليفة العبّاسي المستعصم أن تعتلي عرش مصر امرأة، بالرغم من أنّها تكنّت باسمه، فتوجّه برسالة إلى المماليك يقول فيها مستهزئاً:

"إن كانت الرجال قد عُدمت عندكم، فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً".

الأمر الذي جعلها تتنازل عن العرش لوزيرها الأمير عز الدين أيبك، الذي تزوّجته فيما بعد، وحين علمت أنّه ينوي الزواج من ابنة سلطان الموصل، دبّرت مؤامرة وقتلته، فتم القبض عليها واقتيدت إلى امرأة عز الدين أيبك السابقة التي أمرت جواريها بأن يضربنها على رأسها بالقباقيب حتى ماتت ورُميت جثّتها من أعلى سور القلعة.

بقلم:

ميرنا قره


هناك تعليق واحد:

INSTAGRAM FEED

@gh330kam