الابتسامة علامة الرضى وباب القلب المفتوح للمحبة ونور الصباح. فمن تقابله مبتسماً وهو شاهر سلاحه بوجهك فهو يغمد سلاحه ويقبل للتفاهم معك، ومن يقابلك خائفاً مرعوباً منك فإن ابتسامتك تفكُّ عقدة لسانه وتطمئن قلبه ويرتاح ولو مؤقتاً، ومن جاءك دخيلاً ومطروداً وابتسمت له يعرف أنك قادر على حمايته فيهدأ أو يستكين. ومن جاءك أو رأيته عرضاً وكان يائساً من الحياة فاقداً كلّ أمل فيها متجهاً بفكره وقلبه نحو الانتحار فيتوقّف للأمل، ومن أتاك مستعطياً وابتسمت واعتذرت له يرضى منك ذلك أكثر من عابس وهو يعطيه، ولا ينكسر خاطره من اعتذارك فلم تسبِّب له حزناً ولا يشعر بالخيبة وتظل ابتسامتك في خياله تعزية كافية عن التقصير لأن قلب الإنسان من لحم وليس من حجر فهو يحسُّ بالعاطفة ولا يفرح بالعبوس ولو مع المنفعة والفلوس، والخلاصة أن البسمة كالرشوة نفثاً للغضب وتطرد التعب وكالهديّة تلقي بين الناس رائحةً طيّبة كالشِّعر والشُّعر ديوان العرب بما ينشر من نشوء الأدب.
فكّر تجد في الابتسامة ثالوثاً من
السمّو الروحي والزّمني، ثالوثاً هو الإحسان والحكمة ودَفع الشر بالخير, فمن السمو
الروحي يَدُ الخير الممتدة من شفاه المبتسم إلى القلب المتجهّم بسبب ما فتجتثُّ
الجهم وتزرع فيه بدائل الرجاء وحبَّ الحياة وتجديد الأمل لأن الابتسامة عنوان الحب
ورمزه، والحب هو الباعث في قلب الإنسان شعوراً مليئاً بالغنى والسعادة وقد قالوا:
الحب يصنع المعجزات.
وقد قالوا أنَّ الابتسامة أول طريق
الحكمة، هي في مكان الجلالة والاحترام حين وجد الفلاسفة أنها من أكبر مظاهر العقل
والتفكير السَّليم، فهي المحامي البارع في عقد الاتفاقيات الرابحة بالتجارة وهي
الخفير المدَّرب لحراسة الكرامة من سخرية الساخرين وفوقية المتكبرين وتصير أحياناً
فاروعة نازلة على رؤوسهم والفاضحة عبوسهم والمصغّرة أحجامهم عندما تمحو العنجهَّية
المرسومة على وجوههم بممحاة سحريّة وبيد قدريِّة تتبدَّل الكبرياء بالتواضع
والجيشان بالركود وتغيِّر منظر العبوس بمنظر الخجل أمام الحضور.
والابتسامة تنفي عن صاحبها العاقل صفةً
يمكن أن تلازم العاقلين دون علمهم وهي: ثقل الظّل في نظر مستمعيهم وخاصةً إذا كان
بينهم العزّال والأنداد، يُرى العاقل ثقيل الظّل عندما يظهر حكمته وهو جاد ولا
ترافق الابتسامة معاينة إليهم.
وافترار الشَّفة كابتسامة صغيرة ينمُّ
عن الذَّوق والاحتشام، والقهقهة الكبيرة تطرد من المعدة الجراثيم أسباب الأمراض
والأسقام كما قال الطبيب فمنها فائدة صحيّة واعتقد أن سبب تواجدها طباعيَّة مرة
واكتسابية مرات.
والابتسامة مجلبة لحبّهنّ - عند من يهمه
الأمر - وكم مرَّة سمعتهنَّ يقلنَّ: فلان من الناس سبحان من خلقه كم هو مرح ووجهه
دائماً يضحك ودمه خفيف والابتسامة لا تفارق شفتيه. فابتسم أيها الأخ العزيز
متذكراً قول الشاعر:
قلتُ
ابتسمْ مادامَ بينكَ والردى
شبراً فإنك بعده لَنْ تبسمِ |
دمشق
في 28/4/1998
بقلم: يوسف عبد النور المسعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق