قال لي البحر...
قال
لي البحر: ما هزئَ بحرٌ بمن لم يهزأ به... ولا غدرَ بمن لم يعتدِ على حرمتهِ...
قلتُ:
يا بحراً تمتدُّ بعيداً... أتبرِّر أفعالك التي تراكمت على مرِّ العصور؟! فكم
سحقتَ قلوباً وثقت بكَ وبهدوئكَ بعد أن أغريتها باقتحامك...!
قال:
ها أنتِ ذِي تقولينها (باقتحامِك)... نعم ما غدرتُ بمن لم يقتحمْ حِمايَ ويعتدِ
على حرمة دياري... فكل من تسمُّونهم ضحايا وفق معاييركم... هم معتدون على حقوق
غيرهم وفق معاييرنا نحن معشرَ البحار...!
قلتُ:
لكأنك لم تسمع ببحرٍ غادرٍ اقتحم على الناسِ أمنهم فامتدَّ في لحظات غضبِهِ
ليعتديَّ على وجودهم...؟!
قال:
بلَى... سمعتُ... لكن أما تساءلتم أنتم معشرَ البشر لماذا تغضبُ البحار؟!
وغاضَ
صوتهُ الذي لم أدرِ كيفَ اندسَّ في مسمعي... تاركاً أشرعةَ التساؤل تتأرجح فوق
أمواجِ فكري.. لماذا تغضبُ البحار... لماذا تغضبُ البحار؟!...
قالت لي الصخرة...
قالت
لي الصخرة: إنَّ قوة العواصف ما اجتَثَّتني.. وما استطاعت أن تؤثر على ثباتي..
قلتُ:
لكنها أكلت منك على مرِّ الأيام..!
قالت:
ربما سلبت منِّي وزناً سأعتبر أنه كان زائداً.. فنحتَتَني.. لكنِّي ازددتُ صلابة
وثباتاً..!
قلتُ:
يا صخرة الأيامِ.. كم ستَنْحَتُني العواصف حولي.. فهل عزائي أنها نفسَها ستصقلُ
الإرادةَ لديَّ وتزيدني ثباتاً..؟!!
قال لي الحَوْر...
قال
لي الحور: سأبقى أعلو وأعلو.. فأنهارُ رِعايتهم لي لا تنقطع.. ودون انتظار فائدةٍ
تُجنى منِّي.. إنهم يعلمون أني لن أُجزيَهم بثمرةٍ.. ومع ذلك يتابعونَ السَّخاء لي
دونَ مقابل..!
قُلت: يا حورُ هذا العلو سراب.. هذا
السَّخاء سراب..!
قالَ:
هم من يعيشونَ في سرابٍ.. أما ترَيْن جمالي بثوبي البهيجِ المتلألئ خضرةً..؟
قلت:
ورياحُ الخريفِ تذرو خضرةَ الحورِ..
قال:
لكني أنمو وأكتسي حلَّةً جديدةً أكثرَ خضرةً ونضارةً.. على كلِّ حال المهم عندي
أنَّهم يغدقونَ عليَّ عطاياهم.. ويهتمون بنمائي دونَ انتظارِ فائدةٍ منِّي.. وإذا
كانوا ينتظرون أن يتلذَّذوا بثمرةٍ أقدِّمها لهم.. فهم في سراب..
قلتُ:
لماذا تنكِرُ فوائدَكَ؟! فهم يستظلُّون أفياءكَ وينعمونَ بخضرتِكَ.. ثمَّ لا تنسَ
أنَّكَ تصدُّ الرِّياحَ عن بساتينهم.. يا لك من ساذجٍ.. أوَ تظنُّ أنَّ أبناء
البشرِ يفعلونَ شيئاً دون مصلحةٍ أكيدةٍ لهم حالَّةٍ أو مؤجَّلةٍ؟! إنَّ هدفَهم
البعيدَ من الاعتناء بكَ يفوقُ حدود تفكيرك..!
قال:
يتابعون نموي شهراً فشهراً.. إنَّهُ العطاء منهم ليس إلاَّ..
قلتُ:
مسكينٌ أيها الحور.. لم تدرِ بعد أنهم بدؤوا بشحذ فُؤوسهم منذُ زرعوكَ عوداً بثخنِ
الإصبع..!!
* من سلسلة
قالت لي الأيّام
بقلم:
إيمان نايل عبيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق