قالت ليَ الذكريات + قالت ليَ الأحلام قالت ليَ الذكريات..

قالت ليَ الذكريات + قالت ليَ الأحلام قالت ليَ الذكريات..

ها هي ذي الذكرياتُ تستجمعُ رغوتَها.. تنثالُ على نسيجِ أفكاري.. تغسلُني من رجس المنفى..!

وعدتُ أدراجي إلى مساحاتٍ من العمرِ بائدةٍ.. استنبشتُ نفائسها.. وبيدٍ خبيرةٍ حانيةٍ رحتُ أقلبها أمام ناظريّ..!
قالت ليَ الذِّكرياتُ: هذا تاريخُ نفسٍ.. فأينَ أنتِ منه الآن؟!
قلتُ: دعيني الآنَ في لحظاتِ تأملي في هذا التاريخ..!
قالت: سألتكِ.. أين أنتِ الآن منهُ..؟!
قلتُ: في الغربةِ ينسلخُ الإنسانُ عن عمرهِ ليلحقَ أذيالَ عمرٍ جديد.. أما وقد غسلْتِني من رجسِ المنفى.. فقد كشفتِ لي أني حقاً ما انسلختُ عمَّا مضى.. دعيني الآن أزيلُ غبارَ الأيام عن نفائسِ نفسي التي عدا عليها الزمن.. لكنَّهُ لم يتلفها.. بل حفظها لي ذخائرَ مكنونةً في أمداءِ نفسي..!
قالت: ولذلكَ كان لا بدَّ من استرجاعكِ من غربتكِ.. وسيكونُ لي إطلالة على مساحة عمركِ وفكركِ بينَ حينٍ وآخر.. فهل ترحِّبين؟!
قلتُ: ودونَ زيارتكِ الأثيرة كيفَ لي أن أكونَ نفسي؟ كيف لي أن أجدَ نفسي مع نفسي؟!
ابتسمتْ مودعةً بعدَ أن اطمأنَّتْ لأنها تمكنت من إنجازِ مهمتها بنجاح..!!




قالت لي الأحلام..


ما كان لأحلامي أن تشابكَ أذرعها.. وتتحلقَ حول قامةِ أفكاري متكاتفةً لتحاصِرَني بإحكام.. متشبِّثةً بجذورِ وجودها.. مطالبةً إيايَ بالسعي لتحقيقها.. لو لم تكن متأكدةً من أني سأسعى جاهدةً بإصرارٍ وصبرٍ مديدَيْنِ.. وأنها ستتحققُ ولو بعدَ حين..!
بدأت أصواتها تردد أغنيةً أثيرةً لديَّ.. فهدَّأَت من ثورتي عليها.. ثم حلا لَها أن تلعبَ لعبةً ذكيةً لتستحوذَ على تفكيري أطولَ وقتٍ ممكنٍ.. فبدأ كلٌ منها يقصُّ على رفاقهِ سيرتَهُ ولادةً وتاريخاً ومحاولاتِ تحقيقٍ ما أفلَحَتْ حتى اليوم.. ولما فرغ الجميع من لعبتهم تلك.. قلتُ لهم: (ها قد فعلتم ما ترغبونَ وذكَّرتُموني بوجودِكم.. سأحاولُ تنضيدَ أفكاري ووقتي لأحققَ ما يمكنُ تحقيقهُ..)
انزاحت أكتافها بعضها عن بعضٍ وفكَّت تشابكَ أذرعها.. وانسلَّ كلٌ منها إلى سردابهِ بانتظارِ أن أدعوَهُ بعدَ وقتٍ لتحقيقهِ هو بالذات..
لكنَّ سُحبَ همومٍ ظهرت في سماءِ وجودي فأمطرتني ألماً وانكفاءً.. عندها فعلت أحلامي فعلتها الأولى.. وشرعَتْ بالرقصِ والغناءِ حولَ قامةِ أفكاري.. فأيقظتْ فيَّ شعوراً بوجودها حيةً ترزق.. وعاتبتني على تجاهلي لها.. وحلا لها هذه المرة أن تضاعفَ اللعبةَ لتتلبَّسَ وقتي وتلازمَني وترافقَ تحقيقي لبعضها دونَ أن تبتعدَ عن المدى المجدي لشحناتِ تفكيري.. أو تسمحَ لي بالابتعادِ عن أمدائها المجدية..!
أخذَ حلمٌ يقصُّ على جارهِ سيرتهُ.. وما كاد ينتهي حتى شرعَ جارهُ يقصُّ على جارهِ التالي سيرتهُ وسيرة الذي قبله.. وهذا سيقص على الذي يليه سيرته وسيرتَيْ اللَّذَيْن قبلهُ.. وهكذا.. فلعبةٌ ذكيةٌ حكيمةٌ من أحلامي تكرِّرُ نفسها بنفسها حتى أَمَلَّ سماعها وأسعى لتحقيقها..
أكادُ أوقنُ أنَّها تتعاملُ معي بدهاءٍ.. فها هي ذي تخاطبني: (.. وهكذا لن نتعبَ من الحصار.. لن يرهقنا استنفارٌ لقوانا.. سنبقى في صحوةٍ حتى نرى صورَنا في واقعِ وجودك.. هل يقصُّ كلٌّ منا عليكِ سيرتَهُ وسيرة جارهِ وجارهِ وجارهِ..؟! ها قد بدأتِ تتخلصين من إزعاج البعضِ منَّا بعد أن شكَّلتهِ واقعاً حقيقياً.. لكنَّ الفراغَ الذي يتركهُ يُملأُ فوراً بحلمٍ بديل.. وتتشكلُ سيرةٌ جديدة علينا حفظها وترديدها لمتابعة اللعبة..!)
قلتُ: كنتُ على يقينٍ أنَّه ما كان لأحلامي أن تُشابكَ أذرعها وتتكاتفَ لتحاصرَ قامة أفكاري.. لو لم تكن أكيدةً من أنِّي سأسعى بصبرٍ وإصرارٍ مديدَيْن لتتبلورَ صوراً ملونةً في واقعِ هذا الوجود..

* من سلسلة: قالت لي الأيّام.

بقلم:

إيمان نايل عبيد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

INSTAGRAM FEED

@gh330kam