بعد أن تمكَّن من الحصولِ على تأشيرة مرورٍ عبرَ وسادتي الصديقة.. واقتحمَ دهليزَ أُذني اليُمنى بتسارعهِ المعهودِ.. قالَ لي نبضي: ما زلتِ على قيدِ الحياة.. هيا انهضي.. تستطيعينَ ذلك.. حاولي..
ولم
يكدْ ينهي عبارتَهُ حتى وجدتُ رأسي قد غادرتِ الوسادة.. وجدْتُني أجلسُ مستعينةً
بيديَّ الاثنتين لأتمكنَ من الاستنادِ إلى عارضةِ السرير.. لم أشعرْ إلا بألمٍ
بسيطٍ..!
طالبَني
نبضي بأخذِ نفسٍ عميقٍ.. طالبني بالاحتفاظِ بالهواء مدةً أطولَ داخلَ الرئتين..
طالبني أن أزفره ببطء يساوي فترة شهيقي.. يساوي فترة احتفاظي به..!
قلتُ:
يا نبضُ اتَّئدْ.. ما عدتُ قادرةً على اللحاقِ بكَ..!
قال:
أخشى إن تباطأتُ واعتدلتُ أن تستكيني وتطمئنِّي لصحَّتِكِ وتؤجِّلي فكرةَ
الاستشفاءِ الذاتي الذي سيقودُكِ لإتمام ما تودِّين خلال لحظاتِ العمرِ قلَّتْ أم
كثرتْ.. افعلي ما أطلبهُ منكِ.. تنفَّسي بعمقٍ وثقةٍ وستجدينَ نفسكِ وقد سيطرتِ
على تسارعي.. وأنجزتِ أحلامكِ وبذرتِ غيرها في حقولِ العمر..!
كنتُ
أنفِّذُ مطالبَهُ التي تتالَتْ مُكرِّرَةً نفسها.. بدأتُ أشعرُ بانتعاشٍ في
خلايايَ المهدودة.. ماجت ابتساماتٌ متباعدةٌ في محيطي الرَّحبِ.. شعرتُ بوشائجِ
غرامٍ متينةٍ تشدُّني إلى نبضي الذي استطاعَ مخاطبتي متحدياً صدِّي لهُ في
محاولاتٍ سابقةٍ ما سمحتْ للكَلَلِ أن يتفشَّى في أعماقهِ.. أدركتُ أني أحببتُ
صوتَ نبضي ولن أتخلَّى عن هذا الحبِّ مهما اختلفتْ آراؤنا..!
قال
نبضي: لا أدعوكِ للتفكيرِ بالحياةِ لذاتها أو لذاتكِ.. فهي سرابٌ لا يجوزُ
التَّمسُّكُ به أو السعيُ إليه.. لكن فكِّري بما يمكنُ أن تقدِّميهِ من عِبرةٍ
لأولئكَ الذينَ ما تمكنوا بعد من الوصولِ إلى سبلٍ تخلِّصُهم من آفاتٍ تستبدُّ
بهم..!
ابتسمت
بأمان.. فبثَّني موسيقاهُ الرَّتيبةَ المتوازنةَ.. ودعاني للنهوض..!!
قالت لي المرآة..
-1-
بعد
أن سمعتْ ما قاله لي آخرون.. تدخَّلتْ لتدليَ هي بدلوِها أيضاً.. فقد قالت لي
سمَّاعةُ الطبيبِ: (أفْقَدتني توازني.. ما هذا الخلّلْ؟!)
وقالت
ليَ أشعَّةٌ مسلَّطةٌ على جسدي: لن أقوى على كبحِ جماحِ انتشارِهِ.. فهو عنيدٌ..
عنيد..!
وقال
ليَ مبضعُ الجراحِ: وكيف لي أن أجتثَّهُ من جذورِه؟! فهو سيتوالدُ بعدَ حين..!
فقالت
لي المرآة: يؤلمني صدقي تجاهَكِ.. لكن ما تعوَّدتُ إلا أن أكونَ صادقةً مع من
يواجهني.. ما زال لديكِ قليلٌ من شعركِ.. وقد تستعيدينه كثيفاً جميلاً طويلاً كما
كان.. جرَّبتِ كلَّ العقاقير والخبرات.. فهلاَّ أخذتِ بنصيحتي وجرَّبتِ إرادَتكِ؟!
أرجوكِ اِفعلي..!
وغزاني
رجاؤها كفاتحٍ منقذٍ يقتحمُ أرجاءَ أرضٍ أغرقتها الويلات.. فأخذَتْ إرادتي تختارُ
دروبها بكلِّ رويِّةٍ..!
-2-
قالت
لي سماعةُ الطبيب: لستِ أنتِ من أفقدْتني توازني قبلَ حين..! قالت لي أشعةٌ
مستكشفةٌ لجسدي: كيف انكفأ على نفسه واندحر وهو العنيدُ العنيد؟!
قال
لي طبيبٌ جرَّاح بعد أن نحَّى مبضعَهُ جانباً: ما عُدتِ بحاجةٍ لهُ.. فهو لن يجدَ
ما يستحقُّ الاستئصالَ!!
قالت
لي المرآة: شكراً لاهتمامكِ برجائي.. فكما الخضرة تنتشرُ في حقولٍ كان قد أرهقَها
الظَّمأ.. بدأ ينتشرُ ويتكاثف الشعرُ في رأسكِ الذي كادَ أن يصبحَ أجرداً.. وسيغدو
بعدَ حينٍ جميلاً كثيفاً طويلاً كما كان.. لأنهُ تشرَّبَ نسغَ إرادةٍ ما
استكانت..!
ومازالت
مرآتي تواكبني.. تواكبُ نمو الإرادةِ فيَّ.. تواكبُ تجدُّدَ ملامحي وانطلاقي نحو
ما سيغدو حقائق في المستقبل القريب..!!
* من سلسلة:
قالت لي الأيّام.
بقلم:
إيمان نايل عبيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق