دروب وآمال

 دروب وآمال

- لِمَ هذه اللآلئ تسكن عينيك!؟
- لقد فاض قلبي بها.. فتجمّعت تائهةً في نفسي.. تختار شُرفَ المقلتين تطلّ منها وتعبر عن ذاتها.
- هل تحبّين البكاء؟
- أراه لهمّي مخرجاً.. ألجأ إليه، ألتمس بين يديه نسيم الراحة.. لكني مع هذا أسعى للبعد عنه.
- لِمَ!؟
- أحياناً أضعفُ عند الاقتراب منه.. وأنا أكره الضعف.. وأحياناً أشعر بالقوّة معه لأن حملي الثقيل أتركه في منازله لأعود بلا أثقال.
- في أيّ باب أنت؟
- في باب الحقيقة.
- أتحبين الحقيقة؟
- وهل يكرهها إلاّ الجبان!
- يقال أنّها علقم.
- لكنّها الأمل والسلوى للنفس التائهة في خضمّ الشقاء تترقب الشاطئ يلوّح من بعيد.
- هل أنت معذّبة؟!
- لا أدري ما أقول.
- إني أسمعك جيداً.. أطلقي ذاتك من عقالها.. إني أفهمك جيداً.
- قد أكون ظالمة إذا أجبت بالإقرار.. لكنّي سأعترف أنّي متألمة.
- ما بواعث ألمك؟
- الزيف!
- كيف..؟!
- أحبّ اللون الأبيض.. تعشقه روحي. أحب أن أراه في كل مكان.. لكن.. للأسف ساد السواد!
- إني أسمعك جيداً.. تابعي.. في الكلام راحة.
- قيل.. للحلم قمّة عالية عليك حتى تصلي إليها أن تتسلّقي الجبل بقوّة وشجاعة.. وقيل الأمل عذبٌ وسلاحٌ أمين لتحقيق الحلم.. صدّقت المقالة.. شحنت نفسي بالعزم سلكت دربي بالأمل، وبقيت أنظر إلى الأعلى نفسي ترتاح للعلياء.. صعدت.. وصعدت.. وكلما نزعت شوكاً من طريق أو حطّمت صخرةً عاتية أجدني سعيدة لأني أمهد الطريق للصاعدين خلفي.. لكن..!
- ماذا؟! تابعي..
- وجدتهم يضحكون ومني يسخرون.
- كيف؟! مقالتهم هي الحقيقة التي تعشقينها.
- هذا ما ظننته بدءاً.. لكني اكتشفت خداعهم.
- الطريق التي مشيتها حقيقية.. حقيقية وعليك أن تصدقي ذلك.
- آلمني ما جرى.. لقد آلمني كثيراً.
- ماذا جرى..
- عندما قطعت جزءاً من الطريق كنت سعيدة بالدماء تنزف من قدمي لأنّها دليل جدي وسعي.. ولكني حينما نظرت بعدي عن القمة وجدتها مسكونة..!
- كيف..؟
- تتعجبين من قولي..!؟
- طبعاً..!
- ستتعجبين أكثر عندما تعلمين أن من امتلك القمّة ناس جاؤوا بعدي.. ووصلوها بالطائرة.. حملتهم إليها دون مشقّة أو تعب.. وصلوها بسرعة.. لم تُدْمِ الأشواك أقدامهم.. لم تجرح الصخور أيديهم.. لم يهزّهم التعب.. وصلوا لأنهم قد أرادوا لهم ذلك..
- وآثرتِ الانسحاب! هكذا وببساطة..
- وجدت أنّ القمة لا تكون لنا نحن من نشقّ طريقنا في الصخر الأصم، كان عليّ أن أستعمل عقلهم.. أخطط تخطيطهم..
- لن يمكنك ذلك.
- لِمَ..!؟
- نفسك الأبيّة لا ترضى به.
- ونفسي الأبية لا ترضى الانكسار.. كان عليّ أن أسلك دربهم حتى أصل..
- لن يمكنك ذلك..
- سأظلّ الشمعة تذوب كلما نظرت إلى القمّة لتجدهم فيها وأجد نفسي حيث أنا.. آه ما أتعس روحي!!
- انظري إلى الشمس.
- ما بها!؟
- انظري إليها جيداً..
- لو انقشعت هذه الغيمات لرأيتها بوضوح.
- أتعلمين..!
- ماذا..؟
- إنّك الشمس.. وهم ضعضعة الغيوم.. ومهما تكاثفت الغيوم، مهما اجتمعت لن تحجب نوراً جاهد أن يظهر، لا بدّ أن تشرق من جديد لتملأ الكون بالضياء ما دونها زيف وبهتان.. عمر الغيوم ساعة وعمر الشمس إلى قيام الساعة..
- أراك تبعثين الأمل في قلبي.
- لا بل أحرّكه.. لم يخلُ قلبك لحظة من الأمل لكنّه استكان للدعة.. غفا ينتظر يداً توقظه من سباته ليعود كما كان قوياً..
- تدغدغني الفرحة!
- هذا ما أردته..
- هل تحبين الفرح؟
- أحبه لك.. للناس جميعاً للصغار والكبار، أحبه للغني والفقير.. للقصي والقريب.. أحب الكون فرحاً كله..
- أيمكن له أن يبقى دائماً!؟
- لا..
- لماذا!!
- لأنّه مثل كل شيء يحتاج للراحة والنوم.. يحتاج لفترة كمون بعدها يبدأ الأسى طريقه، لكنه سينشط بعد ذلك لا محالة كم تقدرين سباته..
- هذا يعود إليكم..
- كيف..!؟
- الأمور لا تأتي دون دعوة، فكيف يكون الفرح.. هو يحتاج لدعوة مُلحّة تُشعره بمكانته عندها يأتي راكضاً فيغمركم حبوراً..
- إني مشتاقة.
- لمن؟
- لبيتٍ أسكن فيه ألمي فأعود بلا ألم.. مشتاقة لجنّة الفرح أقطف من زهراتها، أضعه على كل صدر.. أليس للبكاء فترة راحة؟
- طبعاً طالت فترة نشاطه وآن له أن يهدأ.
- يجب أن يهدأ.
- كيف؟!
- انظري إلى القمة..!
- ماذا بها؟
- لقد ملّت سكانها.. هي تحتاج لأصالة.. لقد تصدّع جدارها.. انظري لقد ملت سكانها..
- ماذا أفعل؟
- أين أنت..
- في بداية الطريق.
- تابعي الطريق.. لا بدّ أن تصلي إلى القمّة.. القمة تحتاج من يعيد بناءها كما كان.. لا بد أن تصلي القمة..
- الطريق صعبة، طريقي مليئة بالأشراك والصخور الصمّاء، تحتاج الجهد والأجساد الحديدية لن أتابع..
- لا بد أن تصلي القمة.
- أخاف بعد أن أتوغّل وأمهّد الطريق يأتي من يصل القمة سريعاً، يأتيها من يركب الطائرة.. فتقتلني الحسرة..
- والقمة..!
- ماذا بها؟
- إنها تئنّ.. تحتاج الأصالة.. تشتاق السعادة.. تحتاج من يشقّ الطريق في الصخر الأصم، لأنّه عندما يصل إليها يعطيها حقها ويحترم بنيانها.
- قد أخفق..
- أين نبع الأمل؟
- مازال نائماً.
- أردت له أن ينشط من جديد، الطريق صعبة وهي تحتاج للأمل.. والآن سأودعك فلا بد أن أذهب..
- إلى أين؟
- لقد أدّيت واجبي.. وعليّ أن أرحل عنك إلى غيرك..
- لا بد أن تساعديني في اجتياز الطريق.. لا تذهبي أرجوك.
- في كل بقعة أرض أمثالك.. هناك من يقطع الطريق بخوف ورغبة.
- لكني لم أسألك في حضن أتعابي عن جوهرك..
- ألم تعرفي بعد!؟
- إني آسفة.
- أنا الحياة.. وداعاً.

بقلم:

لينة عبد العليم جنيات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

INSTAGRAM FEED

@gh330kam