قال ليَ القارئ + قالت ليَ الأيّام

قال ليَ القارئ + قالت ليَ الأيّام
قال لي القارئ..

قال لي القارئ: ما هذا الذي تهذرينَ به فترشُقين حبرَ أيامِكِ على بياضِ الورق؟! وكيفَ لنا نحن القراءَ أن نصدِّقَ أنَّكِ استمعتِ لكل أولئكَ السابقين وتحاورتِ معهم.. وأنتِ فريسةٌ لداءٍ عضال يبثُّ جشَعهُ في أنحاءِ خلاياكِ ويأكلُ ثواني العمرِ غيرَ آسفِ على نضارةِ شبابٍ أو توقدِ روح؟!
قلتُ: لو قرأتَ ما وراءَ السطورِ.. أو استعدتَ الآن معاني ما قرأتَ.. لسمعتَ أنتَ تلكَ الأصواتَ التي سمعتُ.. ولانغمسْتَ مع أولئكَ الذينَ ملؤوا عليَّ وحدتي فحاوروني وانتشلوني من استسلامٍ لفكرةِ تآكلِ العمرِ بأفواهِ داءٍ عضال.. حتى لم يتركوا لي وقتاً للتفكيرِ بهِ أو الخوفِ منهُ..
فامتعضَ من إهمالي لهُ وولى الأدبارَ عندما وجدَني قد اكتسبْتُ مما منحتْني إيَّاهُ تلكَ المحاوراتُ مناعةً لن يقوى على مناورتها.. وهكذا فها أنا ذي قد تعلَّمتُ فنَّ الحياة..!
قلبَ قارئي شفتهُ السُّفلى ربما استحساناً أو استخفافاً.. ووعدني بالعودةِ لقراءة ما وراء السطور..
شكرتُهُ على اهتمامهِ.. وأجنحةُ أمنياتٍ صادقةٍ ترفرفُ حولهُ كلما عايشَ أوراقي.. وعلى وعدٍ منهُ بقراءةِ ما وراءَ السُّطور وتعلُّمِ فنِّ الحياة.. غادرتُهُ لأُصغيَ لصوتٍ يستحثُّني لألتقطَ موجاتِهِ.. إنه صوتُ الأيام..!!


قالت لي الأيام..

قالت لي الأيّام: ليس الأمس بالأمس.. ولا الغد هو الغد.. واليوم ليس هو اليوم..!
قلتُ: لكأنكِ تخلطينَ عليَّ أوراقَ لعبة العمر؟!
قالت: بل أكشفُها أمامَ بصيرتِكِ كي لا تُخدعي بالليل والنهار والأسابيع والشهورِ والسنين.. فما هي إلا تقسيماتٌ وهميةٌ.. خداعٌ للنفسِ تقسيمُ الزمن على هذا النحو..!
قلتُ: ولكني لمسْتَها.. ليست وهماً سنواتُ العمرِ بتفصيلاتِها الجزئية..
قالت: بل هي كذلك.. وعليكِ أن تتعمقي بالتفكيرِ بهذا الأمر.. عليكِ الانتباه إلى خديعةِ الزمن.. الزمن هو الزمن.. كلٌّ متكاملٌ.. أُفصحُ بذلكَ لكِ كي لا تظنِّي أن ما مضى قد ذهبَ مع الأمس.. وأنَّ الغدَ سيأتي بكل جديد.. وأن اليومَ هو اليومُ فقط.. عليكِ إجراءُ جردةٍ عامةٍ لكلِّ جزئيات الزمن.. فلا ترمي أمساً مع الأمسِ ولا تتوقعي أنكِ في الغدِ منجزةٌ كلَّ ما تقاعستِ عن إنجازهِ في أمسكِ ويومكِ..
قلتُ: أكادُ أفهمكِ.. لكن لا يسعني إلا أن أنظرَ للزمن وفق تقويمٍ سنويٍ يحملُ تقسيماتِهِ كُلَّها..!
قالت: ضعي الزمنَ على طاولةِ التشريحِ وافحصي أصغرَ بُرهاتِهِ فستجدينها تحوي الأمسَ واليومَ والغدَ..!
ولحظةَ انتهاءِ عِظَتِها لي.. بادرتُ للنظرِ إلى الزّمنِ منبسطاً أمامي بكلِّ أبعادهِ على طاولة التشريح.. فلم أُرجئْ حتى تدوينِ فكرةٍ بانتظارِ الغدِ.. وقبلَ ذلك لَكَمْ أرجأتُ مشاريعَ تآكلت بفعلِ مرور الزمن..!!

* من سلسلة: قالت ليَ الأيّام

بقلم:

إيمان نايل عبيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

INSTAGRAM FEED

@gh330kam